البحث: الرقابة على دستورية القوانين (نموذج الجزائر)
مقدمة
المبحث الأول: الرقابة السياسية على دستورية القوانين
المطلب الأول : الرقابة بواسطة المجلس الدستوري
المطلب الثاني: الرقابة بواسطة هيئة نيابية
المبحث الثاني: الرقابة القضائية على دستورية القوانين
المطلب الأول: الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية
المطلب الثاني: الرقابة عن طريق الدفع
المطلب الثالث: الرقابة عن طريق الحكم التقريري
الخاتمة
المراجع المعتمدة
- القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة الدكتور: سعيد بوشعير
- الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة
الدكتور: شريط الأمين
- أصول القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة الدكتور: نسيب رزقي محمد.
المقدمة
الرقابة على دستورية القوانين تهدف إلى منع صدور نصوص قانونية مخالفة
للدستور وبالتالي فهي وسيلة لحماية الدستور من أي خرق أو اعتداء وإلى وضع
مبدأ سموه على غيره من النصوص الأخرى موضع التطبيق الفعلي.
ولهذا أردنا طرح الإشكالية الآتية: ما هي أنواع الرقابة على دستورية القوانين ؟ وما هي الهيئات التي تقوم بها ؟
المبحث الأول:
الرقابة السياسية على دستورية القوانين يتم الرقابة السياسية عن طريق
هيئتين هما أولا: الرقابة عن طريق مجلس دستوري وثانيا الرقابة بواسطة هيئة
نيابية.
المطلب الأول: الرقابة بواسطة مجلس دستوري
ظهرت في فرنسا ويقصد بها إنشاء هيئة خاصة لغرض التحقق من مطابقة القانون
للدستور قبل صدوره ويعود الفضل في ظهور هذه الفكرة عن الرقابة إلى الفقيه
الفرنسي " Sieyes " والغرض من هذه الهيئة حماية الدستور من الاعتداء على
أحكامه من قبل السلطة ويعود تفصيل " Sieyes " للرقابة السياسية على
الرقابة القضائية لأسباب تاريخية منها أعمال العرقلة في تنفيذ القوانين في
فرنسا والتي كانت تقوم بها المحاكم المسماة بالبرلمانات حيث كانت تلغي
القوانين وهو ما جعل رجال الثورة يقيدون سلطات المحاكم ومنعها من التدخل
في اختصاصات السلطة التشريعية أما بالنسبة للأسباب القانونية فترجع إلى
مبدأ الفصل بين السلطات فقد أعتبر تصدي القضاء للرقابة دستورية القوانين
تدخلا في اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية ومن الناحية السياسية
استند في تبرير عدم الرقابة إلى أن القانون هو تعبير عن إرادة الأمة وهذه
الإرادة أسمى من القضاء وعليه فلا يجوز له التعرض لمدي دستورية أو عدم
دستورية قانون يعبر عن إرادة أمة.
ورغم هذا ففكرة " Sieyes " وجدت مساندة وتأييدا لها فيما بعد، بل ولقيت
نجاحا في الأخير حيث نص دستور سنة الثامنة للثورة (15/12/1799) على استناد
مهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ حامي الدستور على أن تكون سابقة لصدور
القوانين وسمح له بإلغاء القوانين المخالفة ومع ذلك فإن هذا المجلس تحول
إلى أداة في يد ناجيلون يسيرها كيف يشاء ومن بين أسباب عجز هذه الهيئة
النص في الدستور على أنها لا تراقب إلا القوانين التي تحال عليها من هيئة
التربيونات ولا يعقل أن تقدم هذه الهيئة القوانين التي لا تتماشى وسياستها
للمجلس وفيما بعد أسندت الرقابة إلى هيئة سياسية تسمى المجلس الدستوري
الذي يتألف من أعضاء كانوا رؤساء الجمهورية منهم من هو على قيد الحياة
وتسعة آخرين يعين رئيس الجمهورية ثلاثة ويعين رئيس الجمعية الوطنية ومجلس
الشيوخ كل منهما ثلاثة أعضاء أما رئيس الجمهورية فنختار رئيس المجلس من
بين الأعضاء التسعة ومدة العضوية تسعة سنوات غير قابلة للتجديد على أن
يجدد الثلث كل ثلاث سنوات كما لا يجوز لهؤلاء الأعضاء الجمع بين العضوية
في المجلس وفي البرلمان أو الوزارة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
اختصاصات المجلس الدستوري:
1/ التحقق من مطابقة أو مخالفة القوانين التي يسنها البرلمان للدستور وذلك
بناء على طلب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الشيوخ أو 60 نائب من أحد
المجلسين.
2/ المجلس الدستوري يشرف على انتخاب رئيس الجمهورية ويختص في النظر في
الطعون المقدمة بشأن انتخابية كما يشرف على صحة الاستفتاءات الشعبية ويعلن
نتائجها ويفصل في النزاعات الخاصة بصحة انتخاب النواب في البرلمان.
ويعاب على النظام الجديد خضوع أعضائه أو بعضهم للتيارات السياسية التي
ينتمي إليها الأشخاص الذين عينوهم وبالخصوص السلطة التنفيذية التي تتمتع
بالعدد الأكثر من الأعضاء فإلى جانب الأعضاء الثلاث يوجد رؤساء الجمهورية
الذين على قيد الحياة والصوت المرجح لرئيس المجلس المعين من طرف رئيس
الجمهورية في حالة تعادل الأصوات، ومع ذلك فإن تعديل "1974" قد تقلص
العديد من الانتقادات حيث سمح لعدد من النواب أن يكونوا من المعارضة.
والجدير بالذكر أنه إذا كان يطغي الطابع السياسي على تشكيل المجلس فإن
الطابع القضائي يطغى على أحكامه، فصلا عن كفاءة أعضائه مما يطغي عليه
نسبيا استقلالية كبيرة.
المطلب الثاني: الرقابة السياسية على دستورية القوانين بواسطة هيئة نيابية
انتشر هذا النوع في الدول ذات الأنظمة الاشتراكية والغرض منه هو أن لا
تعلو كلمة أية جهة على الهيئات المنتخبة الشعبية التي تمثل الشعب في ظل
نظام الحزب الواحد كما أن غرضها لا يهدف إلى حماية حقوق بل يهدف إلى سيادة
المجالس الشعبية المنتخبة و سموها على غيرها من الهيئات الأخرى مثل مجلس
الوزراء في الاتحاد السوفياتي و الجمهوريات المعدة و مجالسها النيابية قبل
انهيار الاتحاد و من بين الأنظمة التي أخذت بهذا النوع من الرقابة الاتحاد
السوفياتي سابقا حيث أسندت المهمة إلى هيئة رئاسة السوفيات الأعلى فقد جاء
في المادة 121 الفقرة الرابعة ما يلي: (هيئة رئاسة السوفيات الأعلى مطابقة
دساتير و قوانين الجمهوريات المتحدة لدستور و قوانين الاتحاد السوفياتي) و
تنص الفقرة الخامسة على أن هذه الهيئة تقوم بتفسير قوانين الاتحاد
السوفياتي كما تلغي قرارات و أوامر مجلس وزراء الجمهوريات المتحدة إذا
كانت غير مطابقة للقانون.
أيضا نجد دستور جمهورية ألمانيا الشرقية لسنة 1968 يسند تلك المهمة إلى مجلس الدولة حيث يتأكد من دستورية القوانين.
يوجه انتقاد لهذا النوع من الرقابة كونها لا تسند تلك المهمة إلى هيئة
مستقلة عن البرلمان و إنما تسندها إلى نفس الهيئة التي تقوم بمهمة التشريع
و هذا يعين المراقبة الذاتية.
بالتساؤل الذي يطرح نفسه كيف أن هيئة تضع قانونا تم بعد إقراره يقوم بمراقبة؟ و هذا دليل على خفق الرقابة.
إن الذي يجب ملاحظته هو أن هذا النوع من الرقابة يتماشى و عمل السلطة
التشريعية إلى جانب هذا فإن الرقابة السياسية تخص فيما إذا كان القانون
المنظور فيه مطابقة للدستور أو مخالفا له.
و تسمع هذه الرقابة بتجنب سوء التفاهم بين السلطات، و ذلك بتفادي تضارب الأحكام لو أسندت مهمة الرقابة لعدة محاكم و كانت ملزمة.
أما عيوبها فتتمثل في تأثير الهيئة القائمة على الرقابة بآراء الجهات التي
قامت باختيار أعضائها، وينجم عن هذا عدم الممارسة الفعلية للهيئة لمهمتها
المتمثلة في الرقابة و هذا يسمح للبرلمان بالاعتداء على أحكام الدستور و
هنا تصبح الرقابة دون جدوى.
كذلك نجد أن هذا النوع من الرقابة يبعد القاضي عن الثقة فضلا عن أقصار
تدخل هذه الهيئة إلا في الحالات التي تطلب منها جهات معينة ذلك مما يبعد
الأفراد عن التنظيم من احتمال اعتداء السلطة التشريعية على حرياتهم
المحددة في الدستور.
و أخيرا فإن هذا النوع من الرقابة لا تحقق هدفه بالكامل نظرا لأن رفع قضية
مخالفة قانون للدستور من طرف الهيئات المختصة لا يكون إلا حين لمس مصلحها
مما يؤدي إلى الامتناع عن القيام بذلك إذا كانت القوانين الصادرة لا تمس
مصالحها رغم أنها مخالفة للدستور