بسم الله الرحمن الرحيم
[size=16]إن
الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه
وحبيبه من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلغ الرسالة
وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه
صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله أما بعد ...
فضل العشره الاوائل من ذى الحجه
من مواسم الطّاعة العظيمة العشر
الأول من ذي الحجة ، التي فضّلها الله تعالى على سائر أيام العام ؛ فعن
ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من
أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر . قالوا ولا
الجهاد في سبيل الله !! قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج
بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء ) أخرجه البخاري 2/457 .
وعنه
أيضا ،ً رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من عمل
أزكى عند الله عز وجل ، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى . قيل
: ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل ، إلا
رجل خرج بنفسه وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء ) رواه الدارمي 1/357 وإسناده
حسن كما في الإرواء 3/398 .
فهذه النصوص وغيرها تدلّ على أنّ هذه
العشر أفضل من سائر أيام السنة من غير استثناء شيء منها ، حتى العشر
الأواخر من رمضان . ولكنّ ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر
ذي الحجة ، لاشتمالها على ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر . انظر
تفسير ابن كثير 5/412
فينبغي على المسلم أن يستفتح هذه العشر
بتوبة نصوح إلى الله ، عز وجل ، ثم يستكثر من الأعمال الصالحة ، عموما ،
ثم تتأكد عنايته بالأعمال التالية :
1- الصلاة
وهى عماد الدين وهى اساس الاسلام والفرق بين المسلم والكافر . واذا صلحت صلح سائر العمل واذا فسدت فسد سائر العمل
والصلاة فى هذه الايام المباركة تتضاعف فيها الجزاء فاحرصوا على عدم الاهمال والتقصير فى ادائها
2- الصيام
فيسن
للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل
الصالح في أيام العشر ، والصيام من أفضل الأعمال . وقد اصطفاه الله تعالى
لنفسه كما في الحديث القدسي : " قال الله : كل عمل بني آدم له إلا الصيام
فإنه لي وأنا أجزي به " أخرجه البخاري 1805
وقد كان النبي صلى
الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة . فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم
تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر . أول اثنين من الشهر
وخميسين " أخرجه النسائي 4/205 وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود
2/462 .
3- الإكثار من التحميد والتهليل والتكبير
قال رسول الله صلى الله علية وسلم : ( مثل الذى يذكر الله والذى لا يذكره كمثل الحى والميت ) صدق رسول الله صلى الله علية وسلم
فيسن
التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر . والجهر بذلك في المساجد
والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة ، وإعلاناً
بتعظيم الله تعالى .
ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة
قال
الله تعالى : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على
ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) الحج/28 . والجمهور على أن الأيام المعلومات
هي أيام العشر لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( الأيام المعلومات :
أيام العشر )
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن
من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ) أخرجه
احمد 7/224 وصحّح إسناده أحمد شاكر .
وصفة التكبير : الله أكبر ، الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد ، وهناك صفات أخرى .
والتكبير
في هذا الزمان صار من السنن المهجورة ولاسيما في أول العشر فلا تكاد تسمعه
إلا من القليل ، فينبغي الجهر به إحياء للسنة وتذكيراً للغافلين ، وقد ثبت
أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر
يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ، والمراد أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر
كل واحد بمفرده وليس المراد التكبير الجماعي بصوت واحد فإن هذا غير مشروع
.
إن إحياء ما اندثر من السنن أو كاد فيه ثواب عظيم دل عليه قوله
صلى الله عليه وسلم : ( من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من
الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ) أخرجه الترمذي
7/443 وهو حديث حسن لشواهده .
4- قيام الليل
قال تعالى: ] ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً [ الإسراء،
وقال تعالى مادحاً المؤمنين: ] والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً [ الفرقان،
وقال سبحانه يصف قيام الليل: ] إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً [ المزمل.
قال الطبري: " أشد وطأً أي أشد مواطأة بين القلب واللسان وأجمع على التلاوة ".
هذا
وإن للتهجد في نظر الشرع أهمية كبيرة في حياة المسلم لذا فقد حذَر رسول
الله r من ترك قيام الليل لمن اعتاده . فعن عمرو بن العاص t قال: قال لي
رسول الله r : " يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام
الليل " رواه البخاري.
وأما
وقت التهجد فهو الثلث الأخير من الليل، فقد سئلت السيدة عائشة رضي الله
عنها كيف كانت صلاة النبي r بالليل؟ قالت: " كان ينام أوله ويقوم آخره
فيصلي ثم يرجع إلى فراشه فإذا أذن المؤذن وثب فإن كان به حاجة اغتسل، وإلا
توضأ وخرج " رواه البخاري.
وعن
أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن النبي r قال: " إنّ الله
تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الأخير ينزل إلى السماء الدنيا فيقول:
هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ حتى
يطلع الفجر " رواه البخاري ومسلم .
ولكن … ألا تتعارض أهمية النوم للإنسان وضرورته له مع ما يرغب به رب العزة سبحانه وتعالى أولياءه والصالحين من عباده على قيام الليل؟
يجيب
الدكتور سمير الحلو على هذا التساؤل بأن الإنسان ليس جسداً فقط يعمل
نهاره ثم يطلب الراحة في الليل مع ما يتخلل ذلك من طعام ولهو، بل إن له
ملكات أخرى لها أثرها الكبير في نشاطه وحيويته، إنها القوة الروحية
الهائلة التي تجعل منه طاقة عظيمة تخشاها طواغيت الأرض ومردة الجن وتجعل
منه ولياً من أولياء الله، ثم إن دراسة علمية قامت بها الدكتورة سلوى محمد
رشدي أثبتت أن المعتادين على قيام الليل يتمتعون بمستوى أداء أعلى
بالنسبة لفقرات ظهورهم مقارنة مع الذين لا يقومون الليل.
كما
أثبتت الدراسات الطبية أن الذي ينام على وتيرة واحدة ساعات طويلة يتعرض
للإصابة بأمراض القلب بنسبة عالية، ذلك أن هذا السكون الطويل يؤدي إلى
تصلب الشرايين وتضيق في لمعتها لترسب الشحوم في بطانتها، وتنصح الدراسة أن
يقوم النائم بعد أربع ساعات من نومه لإجراء بعض الحركات الرياضية أو المشي
لربع ساعة من الزمن للحفاظ على مرونة شرايينه ووقايتها من الترسبات
الدهنية وما يليها من إصابات وعائية - قلبية، وفي دعوة الإسلام أتباعه إلى
قيام الليل سبق طبي رائع لوقايتهم من الإصابات المذكورة.
كل
هذا يعتبر من دون شك جانباً من المنافع الصحية التي أشار إليها النبي r
حين قال: " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، قربة إلى الله
تعالى ومنهاة عن الإثم وتكفير عن السيئات ومطردة للداء عن الجسم".
وإن
نظرة منصفة إلى قول النبي " ومطردة للداء عن الجسد " ومقارنتها لما أورده
الأطباء اليوم من فوائد لقيام الليل للجسد تؤكد الإعجاز الطبي في هذا
الحديث النبوي الشريف البليغ.
5- أداء الحج والعمرة
إن
من أفضل ما يعمل في هذه العشر حج بيت الله الحرم ، فمن وفقه الله تعالى
لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب - إن شاء الله - من
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة
).
6- الأضحية
ومن الأعمال الصالحة في هذا العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي واستسمانها واستحسانها وبذل المال في سبيل الله تعالى .
فلنبادر باغتنام تلك الأيام الفاضلة ، قبل أن يندم المفرّط على ما فعل ، وقبل أن يسأل الرّجعة فلا يُجاب إلى ما سأل
اللهم فاغفر للمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات
امين يا رب العالمين